وباختصار،
فقد وجد الفلكيون بعض المادة الخفية ـ 20 في المئة منها. ومع أن الغاز
وحده لا يكفي لكشف سر المادة الخفية كلها، فإن كتلته ليست أكبر من كتلة
جميع المجرّات مجتمعة. وإلى حدٍّ ما، فإن مصطلح «حشود المجرات» ليس دقيقا،
إذ إن هذه الحشود ليست سوى كرات من الغاز تنطمر فيها المجرات وكأنها بذور
في بطيخة [انظر:
"Rich Clusters of Galaxies," by P. Gorenstein - W. Tucker; Scientific American, November 1978].
ومنذ
أوائل السبعينات، وحتى الآن، رُصِد بثُّ الأشعة السينية عن طريق سواتل
أخرى مثل مرصد آينشتاين للأشعة السينية Einstein X-Ray Observatory، وساتل
رونتجن (روسات) Roentgen Satellite ROSAT ، والساتل المتقدم للكوسمولوجيا
والفيزياء الفلكية (أسكا) Advanced Satellite for Cosmology and
Astrophysics ASCA . وقد استخدمنا في بحثنا الخاص أرصاد ساتل رونتجن في
المقام الأول. ومقراب هذا الساتل، الذي كان أول مقراب للأشعة السينية يسجل
صورا لكامل السماء، مناسب جدا لإجراء أرصاد للأجسام المنتشرة الضخمة
كالحشود، وهو يقوم الآن بأخذ صور مفصلة لها. وقد مَكَّنَتْ هذه التقانة
الجديدة الفلكيين من توسيع مكتشفات ميسييه وزويكي وغيرهما من الرواد.
ويُرى
حشد الذوابة في الأشعة السينية شكلا منتظما في معظمه، لكنه يحوي قدرا
قليلا من التكتلات [انظر الشكل الأيسر في الصفحة 20]. ويبدو أن هذه
التكتلات مجموعات من المجرات ـ أي حشود مصغرة. ويسير أحد هذه التكتلات ـ
الموجودُ في الجنوب الغربي من حشد الذوّابة ـ باتجاه القسم المركزي من
الحشد، حيث توجد تكتلات أخرى. وبغية المقارنة، فإن لحشد العذراء شكلا غير
منتظم. وعلى الرغم من أن فيه مناطق تتسم بإصدار إضافي للأشعة السينية، فإن
هذه البقع الساطعة انبثقت من مجرّات ميسييه وليس من تكتلات من الغاز
والمنطقة المركزية في الجزء الشمالي من برج العذراء هي الوحيدة التي تتمتع
ببنية تناظرية تقريبا.
إن
امتصاص حشدٍ زمرةً من المجرات يجعله يتنامى إلى حجوم هائلة. وعند سَحْبِ
الزمرة نحو داخل الحشد بفعل الثقالة، فإنها تنطلق بسرعة دافعة الغاز إلى
جانبيها. وتندفع المجرّات نفسُها عبر الحشد، من دون أن يعيق تقدمَها الغازُ
غيرُ الكثيف. وفي نهاية المطاف تختلط المجرّاتُ والغاز مكوِّنة حشدا
موحَّدا يستمر في سحب زمر أخرى إلى أن لا يجد مزيدا منها.
لقد
دَفَعَتْ صور الأشعة السينية هذه الفلكيين إلى الاستنتاج بأن الحشود
تتكوَّن من اندماج زمر من المجرات. ومن الممكن الافتراض بأن التكتلات
الموجودة في الجزء المركزي من حشد الذوابة تمثِّل زمرا من المجرات سُحبت
نحو المركز من دون أن تهضم تماما هنالك. أما حشد العذراء فيبدو أنه تكوَّن
في مرحلة أبكر. ومازال هذا الحشد يَسحب إلى داخله مادة محيطة به، ويمكن
القول بأنه، بالمعدل الحالي لتطور حشد العذراء، سيصبح هذا الحشد بعد بضعة
بلايين من السنين شبيها بحشد الذوابة. ووجهة النظر التحريكية
(الديناميكية) التي تقول بأن هذه الحشود تبتلع المادة المجاورة لها، تناقض
تماما النظرية السكونية (الستاتيكية) التي تبناها الفلكيون منذ بضع سنوات
فقط.
ثلاثة
حشود مجرية في مراحل مختلفة من تطورها، كما تبدو في صور الأشعة السينية
(العمود الأيسر) وخرائط درجات الحرارة (العمود الأيمن). يقوم الحشد الأول،
وهو أبيل 2256، بابتلاع زمرة صغيرة من المجرات تتميز بحرارتها المنخفضة
نسبيا. ويشير اللون الأحمر على الخريطة إلى حرارة منخفضة نسبيا، والبرتقالي
إلى حرارة متوسطة، والأصفر إلى حرارة عالية.
قياس درجات حرارة الحشود
منذ
أن حصل الفلكيون على أول صور أشعة سينية جيدة في أوائل الثمانينات، فإنهم
كانوا يريدون قياس تغيرات درجة حرارة الغاز الذي يتخلل الحشود. لكن إجراء
هذه القياسات أمر أصعب كثيرا من التقاط الصور؛ لأنه يتطلب تحليلا لِطَيْف
الأشعة السينية لكل نقطة من الحشد. ومن ثَمّ لم تظهر أول خرائط لدرجات
الحرارة إلا في عام 1994.
الحشد
الثاني، أبيل 754، الذي يبعد مئات ملايين السنين، خلال هضمه زمرة مجرية.
وربما دَخَلَتِ الزمرة السيئة الحظ الحشدَ من الجهة الجنوبية الشرقية؛ لأن
الحشد متطاول في هذا الاتجاه. وقد انفصلت مجرات الزمرة عن غازاتها وشقت
طريقَها عبر الحشد.
لقد
بيّنت هذه الخرائطُ أن عملية تكوّن الحشود هي عملية عنيفة. وعلى سبيل
المثال، تُظْهِرُ صورُ حشدِ أبيل 2256 Abell أنه لا يوجد لإصدار الأشعة
السينية ذروة واحدة فقط بل اثنتان. هذا وإن الذروة الغربية أكثر انبساطا
بقليل، وهذا يوحي بأن زمرة من المجرات مندفعة في الحشد الرئيسي قد جرفت في
طريقها مادة، تماما كما تفعل المركَبة التي تُزيل الثلوجَ من الطرقات.
ومن شأن خريطة لدرجات الحرارة أن تدعم هذا التفسير
وقد
تَبيّن أن الذروة الغربية باردة نسبيا، إذ إن درجة حرارتها هي سمة
مميِّزة للغاز الموجود في زمرة من المجرات. ولمّا كانت زمر المجرات أصغر
من الحشود المجرية، فإن القوى التثاقلية تكون أضعف فيها، ومن ثَمّ فإن
سرعة جزيئات الغاز داخلها ـ أي درجات حرارتها ـ تكون أخفض. إن الزمرة
النموذجية تكون أثقل 50 تريليون مرة من ثقل الشمس، ولها حرارة تقدر بعشرة
ملايين درجة سيلزية. وبغية المقارنة، فإن ثقل حشد نموذجي يكبر ثقل الشمس
1000 تريليون مرة ويسجل درجة حرارة قدرها 75 مليون درجة سيلزية؛ وأثقل حشد
معروف يعادل خمسة أمثال ثقل هذا الحشد النموذجي، ودرجة حرارته أعلى ثلاث
مرات.
لقد
قطع الحشد الثالث (أبيل 1795) عدة بلايين من السنين منذ آخر وجبة
التهمها. إنّ كلا من سطوع أشعته السينية ودرجة حرارة غازه متناظران. ويوجد
في قلب الحشد بقعة باردة، هي منطقة من غاز كثيف أشع قدرا كبيرا من
حرارته.
من تطور المجرات إلى تطور الكون
ما
انفكّ الكونُ يتمدد منذ حدوث الانفجار الأعظم. وجميع الأجسام غير
المترابطة معا بفعل الثقالة أو قوى أخرى تتباعد عن بعضها. لكن هل يمكن أن
يستمر التمدد الكوني إلى الأبد، أم أنّ ثقالة كل المادة الموجودة في الكون
كافية لإيقافه؟ لقد أخفقت المحاولات التقليدية للإجابة عن هذا السؤال؛
لأنها تتطلب إحصاء دقيقا لمجموع ما في الكون من مادة. وهذه مهمة شاقة لأن
معظمها مادة خفية غير مرئية.
[center]
الكثافة المتوسطة للكون (مقدّرة بالوحدات الكوسمولوجية)