الشفق القطبي THE AURORA
من
الظواهر الطبيعية التي تظهر في السماء ظاهرة الشفق القطبي الذي يعتبر
واحداً من أجمل الظواهر الفلكية التي يعرفها هواة الفلك ويستمتعون
بمشاهدتها وتصويرها. وتحمل هذه الظاهرة اسماً آخر هو الأضواء الشمالية أو
الفجر القطبي، وهي عروض خلابة لمناظر ملونة على الشاشة السماوية الكبيرة
باتجاهي المنطقتين القطبيتين الشمالية والجنوبية.
ويظهر الشفق القطبي في بعض أحيانه على شكل أقواس أو تجعيدات جميلة وأحياناً
أخرى على شكل إشعاعات براقة تستمر للحظات أو ساعات أو ربما حتى الفجر، ومن
النادر جداً أن يتشابه شفقان في زمانين أو مكانين إنما يأخذان نمطاً
متقارباً من الأشكال.
فعادة،
يظهر العرض الشفقي بُعيد غروب الشمس، حيث يحتل الأفق الشمالي قوس شفاف
يستمر حتى نصف ساعة ثم يبدأ بالتحرك عالياً في السماء آخذاً باللمعان أكثر
كلما ارتفع، ويبدأ خلفه قوس آخر جديد بالتكون منفصلاً عن سابقه.... وهكذا
....، وبينما تأخذ هذه الأقواس بالارتفاع تتولد بينها انثناءات وحلقات تصبح
لامعة فيما بعد، ثم بعد وقت طويل أو قصير يبدأ الشفق بالتلاشي.
وللشفق شكلان أساسيان هما الشكل الشريطي والشكل الغيمي.
وعادة ما يبدأ العرض الشفقي في السماء بشكله الشريطي عدة مئات من
الكيلومترات، ويبلغ عرضه شرقاً وغرباً عدة آلاف من الكيلومترات حيث يظهر
ذلك واضحاً عند مقارنته مع خلفية النجوم التي تظهر صغيرة مقارنة بمساحته
العظيمة، وأما سماكته فتصل عدة مئات من الأمتار فقط.
وتدعى الانثناءات التي تتكون نتيجة ارتفاع الشفق في السماء الأقواس الهادئة(Rayed Arcs) وبازدياد النشاط الشفقي تنطبق الانثناءات الكبيرة على الصغيرة منها مكونة ما يدعى الزمر الشعاعية (Rayed Bands)
يصل عرضها عشرات الكيلومترات. وبازدياد آخر للنشاط ينبعث من الزمر
الشعاعية لون وردي ويصبح عرضه عدة آلاف من الكيلومترات، وحالما يتوقف
النشاط الشفقي يعاود الشفق شكله الشريطي وتحتفي كل الانثناءات التي كانت
موجودة، أو أن يتحول الشفق إلى شكله الغيمي الغير المنتظم. ويظهر الشفق
القطبي بألوان مختلفة يغلب عليها الأخضر والأحمر والبنفسجي والأصفر، وأما
بقية الألوان فهي مزيج من الألوان الأساسية.
ولمعرفة كيف يحدث الشفق القطبي، علينا أن نعرف ماذا يحدث على سطح الشمس وماذا يحدث حول الأرض وكيف يتفاعلان معاً.
الشمــس
تتكون الشمس من ثلاث طبقات، الطبقة الضوئية (Photosphere) واللونية (Chromosphere) والإكليل (Corona)
. فخلال أوج النشاط الشمسي في دورته كل إحدى عشرة سنة (كما سيكون عام 2001
القادم )، يكثر على سطح الشمس ما يعرف بالبقع الشمسية، توجد في الطبقة
الضوئية وهي العلامة الواضحة للنشاط الشمسي. وهذه البقع هي اضطرابات في
المجال المغناطيسي للشمس تظهر دائماً في مجموعات تعيش ساعات أو أيام أو
ربما شهراً كاملاً. ويرافق البقع الشمسية ما يعرف بالنتوءات الشمسية ( SolarProminences)
والتي هي انفجارات على سطح الشمس ترتفع مسافة 500,000 كيلومتراً عن سطح
الشمس وترى خلال الكسوف الكلي للشمس، وتعتبر جزءاً من الطبقة اللونية. إلا
أن الصياخد Solar Flares))
أشد قوة وانفجاراً من النتوءات وتظهر بلونها الأبيض قريبة من البقع
الشمسية، حيث تمتلك الواحدة منها طاقة تعادل مليوني مليار طن من مادة T.N.T
، وإذا ما شوهدت أثناء الكسوف الشمسي فإنها ترتفع فوق سطح الشمس لكنها
نادراً ما ترى إذ إنها لا تعيش أكثر من دقائق. والصياخد مسؤولة عن إرسال
الأشعة السينية وأشعة جاما والأشعة المرئية بالإضافة إلى شلالات من
البروتونات والإلكترونات ذات الطاقات العالية جداً والتي تتدفق كل ثانية
باتجاه المجموعة الشمسية.
وفوق
الطبقة اللونية التي تمتد حوالي عشرة آلاف كيلومتراً يأتي الإكليل الشمسي
الذي يمتد عشرة أضعاف قطر الشمس إلى الخارج، وهو عبارة عن الذرات الفردية
المرشوقة من سطح الشمس إلى أعلى. وبينما تسير هذه الجسيمات باتجاه الخارج،
فإن الإكليل يحتل حجماً أكبر وأكبر ويصبح أقل كثافة، ونتيجة لذلك فإن
إضاءته تخف إلى أن تتلاشى كلياً. وهذا لا يعني أن الجسيمات المشحونة قد
توقفت عن المسير، بل إنها تمتد حتى تغمر الكواكب الداخلية والمشتري وزحل
وربما تصل بلوتو، وعندها تأخذ اسماً جديداً هو الرياح الشمسية (Solar Wind)
. وتتغذى الرياح الشمسية بشكل رئيسي من الصياخد بحيث تتكون من البروتونات
والإلكترونات ذات الطاقات العالية، وتصل درجة حرارة الإكليل حوالي مليوني
درجة مئوية.
المجال المغناطيسي الأرضي وأحزمة فان ألن الإشعاعية
تمثل
الأرض قطعة مغناطيسية ذات قطب شمالي وآخر جنوبي تربط بينهما خطوط القوى
المغناطيسية المتجهة من القطب الجنوبي باتجاه القطب الشمالي. ويميل المحور
المغناطيسي الأرضي عن المحور الجغرافي بمقدار 11.6 درجة، فيمر بذلك 400
كيلومتراً بعيداً عن مركز الأرض، وينتهي بنقطتين على سطحها تدعيان القطبين
المغناطيسيين Geo-Magnetic Points)
وتقع الشمالية منها شمال جرينلاند وبالتحديد عند خطي طول 104 درجة غرباً
وعرض 78.5 درجة شمالاً، ولكنه نتيجة للرياح الشمسية القادمة باتجاه الأرض
فإن مجال الأرض المغناطيسي ينحصر داخل تجويف عظيم يدعى الغلاف المغناطيسي (Magnetosphere)
ويحيط بالأرض على شكل مذنب فتنضغط خطوط المجال المغناطيسي بشكل حاد من
ناحية الشمس، بينما تمتد خارجاً بالاتجاه المعاكس مشكلة ذيلاً مغناطيسياً
طويلاً يصل حوالي ستة ملايين كيلومتراً.
وعند
وصول الجسيمات المشحونة إلى الأرض فإنها تقع في أسر المجال المغناطيسي
فتبدأ بالتردد بحركة لولبية الشكل بين نقطتين قريبتين من القطبين
المغناطيسيين عند خط عرض 70-75 درجة شمالاً وجنوباً بسرعة كبيرة تتراوح بين
(0.1-3.0) في ثانية بحيث تتدفق الإلكترونات شرقاً والبروتونات غرباً حول
الأرض مشكلة أحزمة ذات مقطع هلالي تدعى أحزمة فان ألن الإشعاعية نسبة إلى
الفيزيائي جيمس فان ألن (James Van Allen) الذي كان أول من تنبأ بحساباته بشكل هذه الأحزمة بعد النتائج التي جاءت بها مركبتا الفضاء (Explorer 1&3) سنة 1958.
وهما حزامان، الأول صغير نسبياً وقريب، حيث يبعد ثلاثة آلاف كيلومتراً فقط
عن سطح الأرض، ويتكون بشكل رئيسي من بروتونات ذات طاقات عالية، والثاني
أبعد وأكبر، ( على بعد 20000 كيلومتراً ) ويتكون بشكل رئيسي من إلكترونات
وبروتونات ذات طاقات منخفضة.
ميكانيكيـة الشفـق
عند
حدوث النشاط الشمسي فإن ظهور البقع الشمسية تعني وجود المئات من الصياخد
الملتهبة التي تصل درجة حرارتها أكثر من عشرة آلاف درجة مئوية، وبهذا فإنها
تبعث بمختلف إشعاعاتها فتزيد من حدة الإكليل الشمسي الذي يرى خلال الكسوف
الشمسي الكلي كألسنة لهب مبتعدة عنها، والإكليل يعني الريح الشمسية القوية
التي تغمر المجموعة الشمسية، فعند وصولها الأرض تمتلئ أحزمة فان ألن
بالجسيمات المشحونة من بروتونات وإلكترونات فتفيض الأحزمة بها، ونتيجة
للسرعة التي تتحرك بها هذه الجسيمات المشحونة فإنها ما أن تصل نقطتي التردد
القطبيتين لا تقف لترتد بالاتجاه المعاكس إنما تستمر في اختراق تلك
المنطقة التي هي تقاطع الغلاف الأيوني للأرض بالجسيمات المتفلتة من الأحزمة
لتعطينا شكلاً بيضاوياً حول نقطة القطب المغناطيسي يدعى النطاق الشفقي
خاصة إذا نظرنا إليه من أعلى الفضاء.
والإلكترونات هي الجسيمات المعنية هنا حيث تمتلك طاقات عالية جداً نتيجة
تسريعها على طول الذيل المغناطيسي باتجاه الأرض، وعند اختراقها للغلاف
الأيوني الأرضي الذي يتكون من مختلف العناصر وفي مقدمتها النيتروجين
والهيدروجين فإنها تتفاعل مع ذرات هذه العناصر مهيجة إلكتروناتها إلى
مدارات طاقة أعلى، وبرجوعها تنبعث الإشعاعات الضوئية بألوانها المختلفة.
فالمسؤول المباشر عن اللونين الأخضر والأحمر هو الأكسجين، والمسؤول عن
اللونين الأزرق والبنفسجي هو النيتروجين وكلها ذرات مهيجة.
وبالإضافة إلى هذه الألوان، فإن ثمة أصوات مرافقة للعروض الشفقية تسمع في بعض الأحيان كذلك.
ويتخذ
النطاق الشفقي الشكل البيضوي كما ذكرنا، وفي حال ازدياد النشاط الشمسي
وحدوث عاصفة شمسية - كما هو متوقع خلال السنتين القادمتين-فإن هذا النطاق
يتمدد باتجاه خط الاستواء حتى يصل خطوط عرض تصل 35 درجة شمالاً أو جنوباً
أو أدنى من ذلك ، وعندها يمكن لسكان تلك المناطق التمتع بمشاهدة العروض
الشفقية كما حدث عام 1989 في ولاية فكتوريا باستراليا والتي تقع على خط عرض
35 جنوباً لما حدثت العاصفة الشمسية.
وحيث إننا نعيش الآن بدايات الدورة الشمسية الجديدة والتي بدأت عروضاتها
الشفقية بالظهور منذ أكثر من سنة، فإننا ننتظر ذروتها القريبة حوالي عام
2001 والتي من المتوقع لها أن تكون ذات نشاط مميز، مشابهة للدورة السابقة
أو ربما تفوقها نشاطاً.